هل يقطع الصلاة المرأة والكلب الاسود والحمار.....؟
لا يفتأ العلمانيون وأصحاب الاتجاهات التغريبية يثيرون الشبهات، ويتبعون أسيادهم من المستشرقين الذين شغبوا على كثير من أحكام الإسلام، محاولين بذلك النيل منه.
وقد كانت المرأة محورًا هاما استطاعوا من خلاله إثارة الكثير من الشبهات النابعة عن عدم فهم كثير من حقائق اللغة العربية بوصفها وعاء النصوص التي يثيرون عليها شبهاتهم، وكذلك جهلهم الشديد بثوابت الإسلام.
وكان مما أثاروا من خلاله مثل تلك الشبهات حديث لأبي ذر رضي الله عنه كما عند مسلم مرفوعاً:
إذا قام أحدكم يصلي ، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل . فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل ، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود . قلت : يا أبا ذر ! ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر ؟ قال : يا ابن أخي ! سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال : الكلب الأسود شيطان
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 510
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وهو حديث في العمل به بين العلماء خلاف قديم، منذ عهد الصحابة أنفسهم ، وحتى عند من يرى العمل به ففهم الحديث على أن فيه امتهانا من الإسلام للمرأة خطأ في كل وجوهه، فلا قواعد اللغة تسمح بهذا الفهم، ولا الثوابت التي استقرت في الإسلام عن المرأة ووضعيتها تقول ذلك، ولا الممارسات الفعلية في العهد النبوي وما تبعه من عهود الاستدلال تشير إلى مثله!!
ليس اتفاقًاوهذا ما ينبغي البدء به في مناقشة هذا الموضوع، وعليه يشدد د. عبد الله الفقيه مشرف مركز الفتوى بالشبكة الإسلامية، حيث يؤكد أن العمل بهذا الحديث -وهو قطع الصلاة بمرور المرأة- ليست قضية اتفاق بين علماء الإسلام، بل بينهم خلاف كثير، فقد ادعى كثيرون أن هذا الحديث منسوخ بحديث عائشة، وهو الصواب الذي أخذ به أكثر أهل العلم.
ويوضح كذلك أنه ليس هناك حديث يساوي بين المرأة والكلب والحمار، ومن فهم هذا فقد أخطأ، وإنما ورد الحديث بذكر حكم شرعي وهو قطع الصلاة أي نقص أجرها بسبب مرور شيء من الثلاثة أمام المصلي.
ثم بين الحديث نفسه سبب قطع الكلب الأسود للصلاة فقال: "إنه شيطان" وبينت الأحاديث الأخرى سبب قطع المرأة للصلاة، وهو افتتان المصلي بها واشتغاله بها، بخلاف الرجل فإنه إذا مرَّ أمام الرجل لا يفتتن به، وليس السبب أن المرأة مساوية للكلب والحمار.
ويدل على هذا أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت أول من أنكر هذا الحديث، فقالت رضي الله عنها:
ذكر عندها ما يقطع الصلاة ، الكلب والحمار والمرأة ، فقالت : شبهتمونا بالحمر والكلاب ، والله ، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، وإني على السرير ، بينه وبين القبلة مضطجعة ، فتبدو لي الحاجة ، فأكره أن أجلس ، فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنسل من عند رجليه .
الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 514
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
فدلَّ هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي والمرأة أمامه، فإما لأنها زوجته فلا يخاف الافتتان بها، وإما لأنها كانت في ظلام كما يفهم من بعض الروايات، وإما لأن النبي صلى الله عليه وسلم أملك الناس لشهوته، وعلى كل الاحتمالات فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى وعائشة أمامه لعدم الافتتان بالمرأة.
فهم الحديثوهو المحور الثاني الذي يؤكد على نقض هذه الشبهة من الأساس، وفي هذا السياق يؤكد د. خالد بن عبد العزيز السيف عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم _في رد له على هذه الشبهة نشر على موقع الإسلام اليوم_ أنه بعيداً عن الترجيح الفقهي في مسألة قطع الصلاة لهذه الثلاثة من عدمها، فإنه ليس في الحديث تشبيه المرأة بالحمار والكلب الأسود.
موضحا أن وجود الثلاثة في سياق واحد لا يعني أنها متماثلة في عللها التي تُقطع بها الصلاة، بمعنى أنه لا يلزم أن العلة من كون الكلب الأسود يقطع الصلاة هي نفس العلة المحققة في الحمار أو المرأة.
ويدلل على ذلك بأن الاقتران في النظم لا يستلزم الاقتران في الحكم، كما في قوله تعالى: "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار" [الفتح:29]، فالجملة الثانية معطوفة على الأولى ولا تشاركها في خصوصيتها وهي الرسالة، ودلالة الاقتران عند الأصوليين ضعيفة كما هو معروف.
ولذلك فكون الكلب الأسود شيطاناً كما جاء في الحديث لا يعني أن الحمار أو المرأة شيطان، فقد تكون لهذه الثلاثة علل مختلفة وإن جمعها سياق واحد، وإن كانت علة الكلب منصوصا عليها في النص دون الباقي فيدل على أنها تختلف عن الباقي ولا تماثلها.
ويمكن أن تستنبط علة لكون المرأة تقطع الصلاة بكون مرور المرأة بين يدي المصلي -أي قريباً منه- مما قد يثير في الرجل انتباهه، وقد يشرد به عن الصلاة.
ولذلك كانت المرأة في العموم أشد لفتاً لانتباه الرجل من مرور رجلٍ آخر، لذلك -والله أعلم- جعلها الشارع مما يقطع الصلاة، وذلك حفاظاً على خشوع الصلاة من أن ينخرم بمثل ذلك.
الاحتياط هو الأساسأما الشيخ عطية صقر _رحمه الله_ فقد كان له تعقيب على هذا الحديث أكد فيه على أن التسوية ليست للتحقير أبدًا، فالفرق كبير، ولكن الموضوع أساسه الاحتياط لعدم الانشغال في الصلاة رَهَبًا بمثل الكلب الأسود والحِمَارِ، ورَغَبًا بمثل المرأة، وأثرها في الانشغال لا يُنْكَر، ومقام الرسول يأبَى الانشغال بمثل ذلك، فما كان يُبالِي كما تَذْكُرُ الروايات ولكن غيره يَتأثَّر في أغلب الأحوال على الوجه المذكور.
ثم شدد رحمه الله على أن الحديث الخاص بهذه الثلاثة لا يُقصَد منه إبطال الصلاة، بل قد يكون المقصود إبطال الخشوع فيها أو نقْصه، لما يَحدُث للمصلِّي من خوف من هذين الحيوانين واشتهاء للمرأة، وفيهن حَثٌّ على اتخاذ السُّترة حتى لا تَسمَح بمرور هذه الأشياء أمامه، ثم يضيف: "ولَفَتَ نَظَرِي ما ذَكَرَهُ ابن قدامة أنَّ عائشة قالت معترضة على هذا الحكم: عَدَلْتُمُونَا بالكِلابِ والحُمُرِ مع أن الرسول كان يُصلِّي وهي معترضة أمامه".
من حرر المرأة؟وهو سؤال نطرحه على أولئك الذين يشغبون بمثل تلك الترهات.. فالمرأة _كما يؤكد د. خالد السيف_ "لم تكن مشكلة في الإسلام إطلاقا..ً فقد حل الإسلام قيود الظلم المعنوية والحسية التي كانت المرأة مقيدة بها من قديم الدهر، والتي ورثتها الأمم بعضها عن بعض، فقد أعطى الإسلام المرأة حقوقها، وميزها عن الرجل بما تمتاز به من صفات خلقية ونفسية، ورتب على ذلك الحقوق والواجبات المتبادلة بين الجنسين.
ولما كانت المرأة مشكلة في كثير من الديانات السابقة وخصوصاً غير السماوية أو المحرفة اصطبغ المنهج غير الإنصافي في تتبع متشابهات الإسلام؛ محاولة منه في جر الإسلام؛ في موضوع المرأة إلى ما كانت عليه الشعوب البدائية، والتي لم تعرف النور السماوي، أو التي أعرضت عنه.
مع أن المنصف في تتبع مسائل الإسلام يجد منها في غالب مسائله ما هو المحكم والواضح، وما هو الخفي في مواضع دون مواضع، فاقتضى الإنصاف العلمي أن يحمل ما خفي في موضع أو تشابه على ما أُبين وفسر وأحكم في مواضع أخرى في نفس الموضوع المشكل؛ ومن ذلك مسائل المرأة ومكانتها في الإسلام، والنصوص في هذا أشهر من أن تذكر وهي معروفة ومتداولة.
والعجيب أن الغرب الذي ينادي باحترام المرأة لا يمكن أن ينفك عن الإشكالات التي هي أشد مما يثيره في موضوع المرأة في الإسلام، وخصوصاً في الكتب الدينية المتداولة بأيدي اليهود والنصارى الآن، وهي مساحة تحتاج لبسط في القول ليس هذا مجاله.
والشاهد أن هؤلاء المستشرقين وأذنابهم من دعاة العلمنة والتغريب ينادون بالإنصاف وهم أبعد الناس عنه، متعامين عن أنفسهم وشرائعهم، يوجهون الشبهات غير المبررة إلى الآخر، فإذا كان لتلك النصوص تأويلات ومخارج عندهم؛ فنحن نمتلك ما هو أصح تأويلاً وأكثر قبولاً فيما يتماشى مع لغتنا وديننا وثوابتنا.
من إسلام أون لاين