توارد الخواطــر عنـد الشعــراء


كثيراً ما تتوارد خواطر الشعراء حول معنى واحد, ولا غرابة في ذلك خصوصاً إذا كان في معاني المدح أو الذم أو الفخر.
ولو قلبت النظر في كثير من الدواوين الشعرية لرأيت أن المعاني قريبة من بعض, ولكن قد يختلفون في حسن الصياغة.
وقد يكون التوارد من قبيل السرقات الشعرية, وهي فن من فنون الشعر لا يثرب على صاحبه, خصوصاً إذا ألبس المعنى ثوباً جميلاً ملائماً, بل ربما فاق من سبقه كما يذكر في شأن بشار, وسَلْم الخاسر, وذلك عندما قال بشار:



من راقب الناس لم يظفر بحاجته** وفاز بالطيبات الفاتكُ اللهجُ




فأخذ سَلْمٌ هذا المعنى, وصاغه بعبارة أخصر وأجمل, فقال:




من راقب الناس مات هماً ** وفاز باللذة الجسور


ولعل الأجمل في هذا الشأن _أعني توارد الخواطر, أو السرقات الشعرية_ ما كان حول معنى بديع غامض.
وهذا كثير في الشعر؛ حيث تجد أن الجاهلي يسوقه في معرض, ثم يأخذه الإسلامي ويورده في معرض آخر, ثم يأخذه العباسي أو الأندلسي ويعرضه بصورة ثالثة وهكذا...
ومن ذلك قول امرئ القيس:


سموت إليها بعدما نام أهلها ** سموَّ حبَاب الماء حالاً على حال

فأخذه عمر بن أبي ربيعة فقال:


ونفَّضت عني النوم أقبلت مشية الـ ** ـحباب وركني خيفة القوم أزور

ثم أخذه أحد الأندلسيين فقال:


دنوت إليه على بعده ** دنوَّ حباب درى ما التمس
أَدِبُّ إليه دبيب الكرى ** وأسمو إليه سموَّ النفس

ومن هذا القبيل معنى مطروق, وهو التفكير في احتمال الشر, والمبالغة في الخوف من وقوعه, مع أن مجرد وقوعه أخف وأيسر من مجرد انتظارهِ وكثرةِ التفكير فيه؛ فمن الحكمة والعقل ألا يجمع الإنسان على نفسه بين الألم بتوقع الشر, والألم بحصول الشر؛ فليسعد ما دامت أسباب الحزن بعيدة عنه, وإذا حدثت فليقابلها بشجاعة واعتدال.
وإلى هذا المعنى تواردت خواطر كثير من الشعراء, يقول البحتري:


لعمرك ما المكروه إلا ارتقابه ** وَأَبْرَحُ مما حلَّ ما يُتَوقَّعُ

ويشير إلى ذلك أبو الطيب المتنبي بقوله:


كل ما لم يكن من الصعب في الأنفس ** سهــل فيها إذا هو كانا


وكذلك أبو علي الشبل يقول:


ودع التوقع للحوادث إنه ** للحي من قبل الممات ممات

ومن المعاني اللطيفة التي يتوارد عليها الشعراء _ معنى لزوم الاعتدال حال السراء والضراء, قال عبد العزيز بن زرارة الكلابي:



قد عشت في الدهر أطواراً على طرق ** شتى فصادفت منها اللين والبشعا
كُلاًّ بلوت فلا النعماء تبطرني ** ولا تخشعت من لأوائها جزعا


وقال البعيث أو تأبط شراً:


ولست بمفراح إذا الدهر سرني ** ولا جازع من صَرْفه المتقلب

وقال علي بن المقرب العيوني:


فما أنا في السراء يوماً فروحها ** ولا أنا في الضراء يوماً جزوعها

فهذه إشارات يسيرة في توارد الخواطر عند الشعراء، وكتب الأدبِ، والبلاغة حافلة بهذا الأمر، ككتاب الصناعتين لأبي هلالالعسكري، والمثل السائر لابن الأثير، وغيرهما.

أعجبنى كثيرا فنقلته لتعم الفائده
جزا الله صاحبه الاخ ابو هدى خير الجزاء
وكتبت اسم الاخ الفاضل حتى لا أنسب مجهوده لى نفسى
والله المستعان