بسم الله الرحمن الرحيم

كانت جريمة سعيد بن جبير، أنه عارض الحجاج، قال له أخطأت، ظلمت، أسأت، تجاوزت، فما كان من الحجاج إلا أن قرر قتله؛ ليريح نفسه من الصوت الآخر، حتى لا يسمع من يعارض أو ينصح

أمر الحجاج حراسه بإحضار ذلك الإمام، فذهبوا إلى بيت سعيد في يوم، لا أعاد الله صباحه على المسلمين، في يوم فجع منه الرجال والنساء والأطفال

وصل الجنود إلى بيت سعيد، فطرقوا بابه بقوة، فسمع سعيد ذلك الطرق المخيف، ففتح الباب، فلما رأى وجوههم قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، ماذا تريدون؟ قالوا: الحجاج يريدك الآن.

قال: انتظروا قليلاً، فذهب، واغتسل، وتطيب، وتحنط، ولبس أكفانه وقال: اللهم يا ذا

الركن الذي لا يضام، والعزة التي لا ترام، اكفني شرّه

فأخذه الحرس، وفي الطريق كان يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، خسر المبطلون

ودخل سعيد على الحجاج، وقد جلس مغضباً، يكاد الشرّ يخرج من عينيه

قال سعيد: السلام على من اتبع الهدى – وهي تحية موسى لفرعون

قال الحجاج: ما اسمك؟

قال سعيد: اسمي سعيد بن جبير

قال الحجاج: بل أنت شقي بن كسير

قال سعيد: أمي أعلم إذ سمتني

قال الحجاج: شقيت أنت وشقيت أمك

قال سعيد: الغيب يعلمه الله

قال الحجاج: ما رأيك في محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال سعيد: نبي الهدى، وإمام الرحمة

قال الحجاج: ما رأيك في علي؟

قال سعيد: ذهب إلى الله، إمام هدى

قال الحجاج: ما رأيك فيّ؟

قال سعيد: ظالم، تلقى الله بدماء المسلمين

قال الحجاج: علي بالذهب والفضة، فأتوا بكيسين من الذهب والفضة، وأفرغوهما بين يدي سعيد بن جبير

قال سعيد: ما هذا يا حجاج؟ إن كنت جمعته، لتتقي به من غضب الله، فنعمّا صنعت، وإن كنت جمعته من أموال الفقراء كبراً وعتوّاً، فوالذي نفسي بيده، الفزعة في يوم العرض الأكبر تذهل كل مرضعة عما أرضعت

قال الحجاج: لماذا لا تضحك كما نضحك؟

قال سعيد: كلما تذكرت يوم يبعثر ما في القبور، ويحصّل ما في الصدور ذهب الضحك

قال الحجاج: لماذا نضحك نحن إذن؟

قال سعيد: اختلفت القلوب وما استوت

قال الحجاج: لأبدلنك من الدينار ناراً تلظى

قال سعيد: لو كان ذلك إليك لعبدتك من دون الله

قال: الحجاج: لأقتلنك قتلة ما قتلها أحدٌ من الناس، فاختر لنفسك

قال سعيد: بل اختر لنفسك أنت أي قتلة تشاءها، فوالله لا تقتلني قتلة، إلا قتلك الله بمثلها يوم القيامة

قال الحجاج: اقتلوه

قال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين

قال الحجاج: وجّهوه إلى غير القبلة

قال سعيد: فأينما تولوا فثمّ وجه الله [البقرة:115

قال الحجاج: اطرحوا أرضاً

قال سعيد وهو يتبسم: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى [طه:55].

قال الحجاج: أتضحك؟

قال سعيد: أضحك من حلم الله عليك، وجرأتك على الله!!.

قال الحجاج: اذبحوه.

قال سعيد: اللهم لا تسلط هذا المجرم على أحد بعدي.

وقتل سعيد بن جبير، واستجاب الله دعاءه، فثارة ثائرة بثرة[1] في جسم الحجاج، فأخذ يخور كما يخور الثور الهائج، شهراً كاملاً، لا يذوق طعاماً ولا شراباً، ولا يهنأ بنوم، وكان يقول: والله ما نمت ليلة إلا ورأيت كأني أسبح في أنهار من الدم، وأخذ يقول: مالي وسعيد، مالي وسعيد، إلى أن مات.

مات الحجاج، ولحق بسعيد، وغيره ممن قتل، وسوف يجتمعون أمام الله – تعالى – يوم القيامة، يوم يأتي سعيد بن جبير ويقول: يا رب سله فيم قتلني؟

.{ إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدّهم عداً وكلهم آتيه يوم القيامة فردا }مريم:93-95

الحجاج والرجل اليمني ::

ذهب الطاغية يعتمر، وأخذ معه حراسة مشددة، لأنه يعلم أنه ظالم، ولما أتى مقام إبراهيم، وقف يصلي ركعتين، فوضع حرسه وجنوده السلاح والسيوف والرماح والخناجر على الأرض. والذي يروي هذه القصة طاوس بن كيسان، أحد العلماء، قال: كنت جالساً عند المقام، فسمعت الجلبة، يعني الصوت والضجة، فالتفتُّ، فرأيت الحجاج وحرسه، فقلت: اللهم لا تمتعه بصحته ولا بشبابه.

فلما جلس الحجاج بعد أن أدى الركعتين، أتى رجل فقير من أهل اليمن، وقام يطوف بالبيت، ولم يعلم أن الحجاج بن يوسف عند المقام، وفي أثناء طواف هذا لفقير، نشبت حربة بثوب هذا الفقير اليمني، ثم وقعت على بدن الحجاج.. ففزع الحجاج وقال: خذوه، فأخذه الجنود، ثم قال: قربوه مني، فقربوه منه، فقال الحجاج لهذا الفقير المعتز بالله: أعرفتني؟ قال: ما عرفتك.

قال الحجاج: من واليكم على اليمن؟

قال الفقير: محمد بن يوسف، أخو الحجاج، ظالم مثله!! أو أسوأ منه!!

قال الحجاج: أما علمت أني أنا أخوه؟

قال الفقير: أنت الحجاج؟

قال الحجاج: نعم.

قال الفقير: بئس أنت، وبئس أخوك!!

قال الحجاج: كيف تركت أخي في اليمن؟
قال الفقير: تركته بطيناً سميناً.

قال الحجاج: ما سألتك عن صحته، إنما سألتك عن عدله.

قال الفقير: تركته غاشماً ظالماً.

قال الحجاج: أما علمت أنه أخي؟ أما تخاف مني؟

قال الفقير: أتظن يا حجاج أن أخاك يعتز بك، أكثر من عزتي بالواحد الأحد؟

قال طاوس الراوي: والله لقد قام شعر رأسي

ثم أطلق الحجاج الرجل

فجعل يطوف بالبيت، لا يخاف إلا الله ......

......
هذه بعض الروايات التي تحكي ما جرى بين سعيد بن جبير والحجاج
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمه سعيد بن جبير (9/104) : وقد ذكرنا صفة مقتله إياه ، وقد رويت آثار غريبة في صفة مقتله أكثرها لا تصح
فهذا قول الذهبي وابن كثير في اشهر ما يُحكى عن الحجاج