الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
جاء في القرآن الكريم أن الله مسخ بعض اليهود قردة، فهل كانت القرود موجودة قبلهم، وهل بَقِيَ من نسلِهم شيء الآن؟

المُفسرون لهم رأيان في معنى المسخ، هل هو مسخ مادي أو مسخ معنوي كما اختلَف العلماء في المَمسوخ هل يَنسُلُ أم لا على قولين فقال بعضهم ينسل وقال الآخر إنه لا ينسل بل يموت بعد فترة وجيزة وإليك التفصيل فيما ذكره فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر

قال الله تعالى ( ولَقَدْ عَلِمْتُم الذِينَ اعتَدَوْا منْكُمْ فِي السَّبْتِ فقُلنا لَهُمْ كونوا قِردةً خاسِئين ) ( سورة البقرة : 65 ) .
تحذِّر الآية اليهود الموجودين حين نزل القرآن وكذلك مَن بعدهم أن يكفُروا بالرسول، صلّى الله عليه وسلّم، محرِّفين الكَلِمَ عن مواضعه، حتى لا يعاقِبهم الله كما عاقَب اليهود الذين خالفوا أمره حين نهاهم عن الصيد في يوم السبت فتحايَلوا واستباحوا الصيد، فكان عقابُهم أن مَسخَهم الله قِردة وخنازير وجعلهم خاسئين أي مبعدين محتقرين مغضوبًا عليهم.

معنى المسخ
والمُفسرون لهم رأيان في معنى المسخ، هل هو مسخ مادي أو مسخ معنوي، بمعنى هل تحول الذين اعتدَوْا إلى قردة وخنازير تحولاً حقيقيًّا، أو تحولت أخلاقُهم فكانت مثل أخلاق القردة والخنازير وتحوّلوا من تكريمِهم كآدميِّين إلى احتقارِهم كقِردة وخنازيرَ؟

القلة من المفسِّرين قالوا بالمسخ المعنوي، جاء في تفسير القرطبي " ج1 ص443 " أنّ هذا الرأي مرويٌّ عن مجاهد في تفسير هذه الآية أنّه إنِّما مُسِخَتْ قلوبُهم فقط وردَّت أفهامُهم كأفهامِ القردة. ولم يقلْه غيره من المفسِّرين فيما أعلم.

والأكثرون قالوا بالمَسخ المادي. والقائلون به اختلفوا، هل تناسَل هؤلاء بعد المسخ أو لم تناسلوا؟ يقول القرطبي " ج1 ص440 " : اختلَف العلماء في المَمسوخ هل يَنسُلُ على قولين، قال الزجاج :قال قوم يجوز أن تكون هذه القِردة منهم، واختاره القاضي أبو بكر بن العربي ، وقال الجمهور : الممسوخ لا يَنْسُـِل ـ بضمّ السِّين وكسرِها ـ .

وأن القردة والخنازير وغيرهما كانت قبل ذلك، والذين مسخهم الله قد هلكوا ولم يبق لهم نسلٌ، لأنه قد أصابهم السخط والعذاب، فلم يكن لهم قَرار في الدنيا بعد ثلاثة أيّام.

قال ابن عباس : لم يعِش مسخٌ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل. قال ابن عطية: ورُوِيَ عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وثبت أن الممسوخ لا ينسُل ولا يأكل ولا يشرب ولا يَعيش أكثر من ثلاثة أيام. يقول القرطبي : هذا هو الصحيح من القولين .

واستدلّ القائلون ببقاء الممسوخين وتناسُلهم بما رواه مسلم عن أبي هريرة أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : " فُقِدت أمّة من بني إسرائيل لا يدري ما فعلت، ولا أراها إلا الفأر، ألا ترونَها إذا وُضع لها ألبان الإبل لم تشربْه، وإذا وضع لها ألبان الشّاة شَرِبتْه " وبما رواه مسلم أيضًا عن أبي سعيد وجابر أن النبيَّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ جيء إليه بضَبٍّ فأبى أن يأكل منه وقال " لا أدري لعله من القُرون التي مُسِخَتْ " وردّ الجمهور ذلك بأن كلام الرسولِ كان ظنًّا وحدْسًا واحتياطًا قبل أن يوحَى إليه أن اللهَ لم يجعل للمسخ نسلاً، فلما أوحى إليه بذلك زال عنه ذلك التخوُّف وعلم أن الضّبَّ والفأر ليسا ممّا مُسِخَ. كما استدل الأوّلون بما رُوِيَ من أن قِرْدةً في الجاهليّة زنتْ فاجتمع عليها قِرَدَة ورجموها، واشترك معهم رجل في رجمها، وردّ الجمهور بأن هذه الرواية ليست في صحيح البخاري بل في تاريخه، ودسّها البعض على الصحيح، وراويها ممّا لا يحتج به، ولو صح الخبر لكانوا من الجِنّ لأنّهم كالإنس مكلَّفون، ولا تكليف على البهائم حتى يقام عليها حدُّ الزِّنا " الكلام على رد هذه الرواية مفصّل في تفسير القرطبي ج1 ص442 " .

أما دليل الجمهور على رأيِهم فهو ما رواه مسلم في كتاب " القدر " أن النبي ـ صَلّى الله عليه وسلّم ـ سُئِلَ عن القِرَدة والخنازير: هل هي ممّا مُسِخَ؟ فقال:" إنّ الله لم يُهلِكْ قومًا أو يعذِّب قومًا فيجعل لهم نَسلاً، وإن القِردة والخنازير كانوا قبل ذلك" وهو نص صريح صحيح رواه عبد الله بن مسعود وأخرجه مسلم، وثبتت النصوص بأكل الضّب بحضرة النبيِّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وعلى مائدتِه ولم يُنكر. فدلّ ذلك على صحّة ما اختاره القرطبي من القولين، وهو أنَّ المسخَ لا يَنسُـِل .

هذا في مسخ المُعتدين من اليهود قِردة وخنازير على الحقيقة، أما مسخ الأخلاق والمَكانة فهي محَلُّ اتِّفاق.
والله أعلم


المرجع
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?pagename=IslamOnline-Arabic-Ask_Scholar/FatwaA/FatwaA&cid=1122528606742
الشيخ عطية صقر
15/04/2002