قوله تعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي ) الآية [ 68 [سورة آل عمران .
من كتاب اسباب النزول
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي
المتوفي سنة 468 ه

قال [
ابن عباس : قال رؤساء ] اليهود : والله يا محمد لقد علمت أنا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك ، وأنه كان يهوديا ، وما بك إلا الحسد ! فأنزل الله تعالى هذه الآية .


211 - وروى الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عباس ، وروى أيضا عبد الرحمن بن غنم عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكره محمد بن إسحاق بن يسار ، وقد دخل حديث بعضهم في بعض . قالوا : لما هاجر جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة ، واستقرت بهم الدار ، وهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، وكان من أمر بدر ما كان - اجتمعت قريش في دار الندوة وقالوا : إن لنا في أصحاب محمد الذين عند النجاشي ثأرا بمن قتل منكم ببدر ، فاجمعوا مالا وأهدوه إلى النجاشي لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم ، ولينتدب لذلك رجلان من ذوي آرائكم . فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط ، مع الهدايا : الأدم وغيره ، فركبا البحر وأتيا الحبشة ، فلما دخلا على النجاشي سجدا له وسلما عليه وقالا له : إن قومنا لك ناصحون شاكرون ، ولصلاحك محبون ، وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء القوم الذين قدموا عليك ، لأنهم قوم رجل كذاب ، خرج فينا يزعم أنه رسول [ ص: 56 ] الله ، ولم يتابعه أحد منا إلا السفهاء ، وكنا قد ضيقنا عليهم الأمر ، وألجأناهم إلى شعب بأرضنا ، لا يدخل عليه أحد ، ولا يخرج منهم أحد قد قتلهم الجوع والعطش ، فلما اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك ، فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم . قالوا : وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس ، رغبة عن دينك وسنتك . قال : فدعاهم النجاشي ، فلما حضروا صاح جعفر بالباب : يستأذن عليك حزب الله ، فقال النجاشي : مروا هذا الصائح فليعد كلامه ، ففعل جعفر ، فقال النجاشي : نعم فليدخلوا بأمان الله وذمته . فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه ، فقال : ألا تسمع كيف يرطنون بحزب الله ، وما أجابهم [ به ] النجاشي . فساءهما ذلك . ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له ، فقال عمرو بن العاص [ وعمارة بن أبي معيط ] : ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك ؟ فقال لهم النجاشي : ما يمنعكم أن تسجدوا لي وتحيوني بالتحية التي يحييني بها من أتى من الآفاق ؟ قالوا : نسجد لله الذي خلقك وملكك ، وإنما كانت تلك تحية لنا ونحن نعبد الأوثان ، فبعث الله فينا نبيا صادقا ، وأمرنا بالتحية التي يرتضيها الله لنا ، وهي السلام تحية أهل الجنة . فعرف النجاشي أن ذلك حق ، وأنه في التوراة والإنجيل . قال : أيكم الهاتف : يستأذن عليك حزب الله ؟ قال جعفر : أنا ، قال : فتكلم ، قال : إنك ملك من ملوك أهل الأرض ، ومن أهل الكتاب ، ولا يصلح عندك كثرة الكلام ، ولا الظلم ، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي ، فمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ولينصت الآخر ، فتسمع محاورتنا . فقال عمرو لجعفر : تكلم ، فقال جعفر للنجاشي : سل هذا الرجل أعبيد نحن أم أحرار ؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا ، فارددنا إليهم . فقال النجاشي : أعبيد هم أم أحرار ؟ فقال : بل أحرار كرام ، فقال النجاشي : نجوا من العبودية . قال جعفر : سلهما : هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا ؟ فقال عمرو : لا ولا قطرة ، قال جعفر : سلهما : هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ قال النجاشي : يا عمرو إن كان قنطارا فعلي قضاؤه ، فقال عمرو : لا ولا قيراطا ، قال النجاشي : فما تطلبون منهم ؟ قال عمرو : كنا وهم على دين واحد ، وأمر واحد ، على دين آبائنا ، فتركوا ذلك الدين واتبعوا غيره ، ولزمناه نحن ، فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا ، فقال النجاشي : ما هذا الدين الذي كنتم عليه ، والدين الذي اتبعتموه ؟ اصدقني . قال جعفر : أما [ الدين ] الذي تحولنا إليه ، فدين الله الإسلام ، جاءنا به رسول من الله وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له . فقال النجاشي : يا جعفر لقد تكلمت بأمر عظيم فعلى رسلك . ثم أمر النجاشي فضرب بالناقوس ، فاجتمع إليه كل قسيس وراهب ، فلما اجتمعوا عنده قال النجاشي : أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى هل تجدون بين عيسى وبين القيامة نبيا مرسلا ؟ فقالوا : اللهم نعم ، قد بشرنا به عيسى ، وقال : من آمن به فقد آمن بي ، ومن كفر به فقد كفر بي . فقال النجاشي لجعفر : ماذا يقول لكم هذا الرجل ويأمركم به ، وما [ ص: 57 ] ينهاكم عنه ؟ قال : يقرأ علينا كتاب الله ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويأمر بحسن الجوار ، وصلة الرحم وبر اليتيم ، ويأمرنا أن نعبد الله وحده لا شريك له ، فقال : اقرأ علينا شيئا مما كان يقرأ عليكم . فقرأ عليهم سورة " العنكبوت " " والروم " ، ففاضت عينا النجاشي وأصحابه من الدمع ، وقالوا : يا جعفر زدنا من هذا الحديث الطيب . فقرأ عليهم سورة " الكهف " . فأراد عمرو أن يغضب النجاشي فقال : إنهم يشتمون عيسى وأمه ، فقال النجاشي : ما يقولون في عيسى وأمه ؟ فقرأ عليهم جعفر سورة " مريم " ، فلما أتى على ذكر مريم وعيسى رفع النجاشي نفثة من سواك قدر ما يقذي العين ، وقال : والله ما زاد المسيح على ما تقولون هذا ، ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال : اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي . يقول : آمنون ، من سبكم أو آذاكم غرم ، ثم قال : أبشروا ولا تخافوا ، ولا دهورة اليوم على حزب إبراهيم . قال عمرو : يا نجاشي ومن حزب إبراهيم ؟ قال : هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاءوا من عنده ومن اتبعهم ، فأنكر ذلك المشركون وادعوا في دين إبراهيم ، ثم رد النجاشي على عمرو وصاحبه المال الذي حملوه ، وقال : إنما هديتكم إلي رشوة فاقبضوها ، فإن الله ملكني ولم يأخذ مني رشوة . قال جعفر : وانصرفنا وكنا في خير دار ، وأكرم جوار . وأنزل الله عز وجل ذلك اليوم في خصومتهم في إبراهيم على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالمدينة ، قوله تعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ) [ أي ] على ملته وسنته ، ( وهذا النبي ) يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - ( والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) .

212 - أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن الوراق ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجزري ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، عن سفيان بن سعيد ، عن أبيه ، عن أبي الضحى ، عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن لكل نبي ولاة من النبيين ، وأنا وليي منهم أبي وخليل ربي إبراهيم . ثم قرأ : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي ) الآية .