محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم

أمر الشاة المسمومة‏:
ولما اطمأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر بعد فتحها أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سَلاَّم بن مِشْكَم، شاة مَصْلِيَّةً، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏ ؟‏ فقيل لها‏:‏ الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تناول الذراع، فَلاَكَ منها مضغة فلم يسغها، ولفظها، ثم قال‏:‏ ‏" إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم "، ثم دعا بها فاعترفت، فقال‏:‏ " ما حملك على ذلك‏؟ "، قالت‏:‏ قلت‏:‏ إن كان ملكًا استرحت منه، وإن كان نبيًا فسيخبر، فتجاوز عنها‏.‏
وكان معه بِشْر بن البراء بن مَعْرُور، أخذ منها أكلة فأساغها، فمات منها.‏
واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأنه تجاوز عنها أولا، فلما مات بشر قتلها قصاصا(‏1).
الحديث
إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ، وكان معه بشر بن البراء فأساغ اللحم وازدرده . وجيء بالمرأة الجانية فاعترفت بما صنعت ، وقالت للنبي : بلغت من قومي مالم يخف عليك ، فقلت : إن كان ملكا استرحت منه ، وإن كان نبيا فسيخبر ، فتجاوز عنها النبي ، ثم مات بشر بعد ما سرى السم في جسمه .
الراوي: - المحدث: الألباني - المصدر: فقه السيرة - الصفحة أو الرقم: 347
خلاصة حكم المحدث: رواه البخاري ومسلم من حديث أنس: "أن يهودية أتت النبي بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها فقيل: ألا تقتلها؟ قال: لا" والبخاري نحوه


قتلى الفريقين في معارك خيبر:
وجملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجلاً، أربعة من قريش وواحد من أشْجَع، وواحد من أسْلَم، وواحد من أهل خيبر والباقون من الأنصار‏.‏
ويقال‏:‏ إن شهداء المسلمين في هذه المعارك 81 رجلاً‏.‏
وذكر العلامة المنصور فوري 91 رجلاً، ثم قال‏:‏ إني وجدت بعد التفحص 32 اسماً، واحد منها في الطبري فقط، وواحد عند الواقدي فقط، وواحد مات لأجل أكل الشاة المسمومة، وواحد اختلفوا هل قتل في بدر أو خيبر، والصحيح أنه قتل في بدر(2)‏.‏
أما قتلى اليهود فعددهم ثلاثة وتسعون قتيلاً‏.‏

فَـدَك‏:‏
ولما بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، بعث مُحَيِّصَة بن مسعود إلى يهود فَدَك، ليدعوهم إلى الإسلام، فأبطأوا عليه، فلما فتح الله خيبر قذف الرعب في قلوبهم، فبعثوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصالحونه على النصف من فدك بمثل ما عامل عليه أهل خيبر، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خالصة؛ لأنه لم يُوجِف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب‏(3).

وادي القُرَى:
‏ ولما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خيبر، انصرف إلى وادي القرى، وكان بها جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب‏.‏
فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي، وهم على تعبئة، فقتل مِدْعَم - عَبْدٌ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس‏:‏ هنيئاً له الجنة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ " كلا، والذي نفسي بيده، إن الشَّمْلَة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارًا "، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بشِرَاك أو شراكين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏" شراك من نار أو شراكان من نار "‏‏البخاري، الفتح، كتاب الأيمان والنذور، باب هل يدخل في النذر الأرض والمغنم والزرع. رقم (6707).‏

الحديث

خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر ، فلم نغنم ذهبا ولا فضة ، إلا الأموال والثياب والمتاع ، فأهدى رجل من بني الضبيب ، يقال له رفاعة بن زيد ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما ، يقال له مدعم ، فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ، حتى إذا كان بوادي القرى ، بينما مدعم يحط رحلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سهم عائر فقتله ، فقال الناس : هنيئا له الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلا ، والذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم ، لم تصبها المقاسم ، لتشتعل عليه نارا ) . فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( شراك من نار ، أو : شراكان من نار ) .

الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6707
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

ثم عَبَّأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه للقتال، وصَفَّهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحُبَاب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حُنَيْف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام‏.‏ وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه، ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغَنَّمَهُ اللهُ أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعًا كثيرًا‏.‏
وأقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوادي القرى أربعة أيام‏.‏ وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها(4). كما عامل أهل خيبر‏.‏

تَيْمَـــاء‏:
‏ ولما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فَدَك ووادي القُرَى، لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين، بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل ذلك منهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأقاموا بأموالهم(5)‏.‏ وكتب لهم بذلك كتابا وهاك نصه‏:‏ هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا، أن لهم الذمة، وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد، والنهار شد، وكتب خالد بن سعيد‏.‏

الحديث
بينا نحن بالمربد إذ أتى علينا أعرابي شعث الرأس معه قطعة أديم أو قطعة جراب فقلنا كأن هذا ليس من أهل البلد فقال أجل هذا كتاب كتبه لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال القوم هات فأخذته فقرأته فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لبني زهير بن أقيش قال أبو العلاء وهم حي من عكل إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وفارقتم المشركين وأعطيتم من الغنائم الخمس وسهم النبي صلى الله عليه وسلم والصفي وربما قال وصفية فأنتم آمنون بأمان الله وأمان رسوله

الراوي: أعرابي المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 6/847
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح على شرط الشيخين

العودة إلى المدينة:‏
ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العودة إلى المدينة، وفي الطريق أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير‏:‏ " الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله "، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏" أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصَمَّ ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا ".‏ البخاري، الفتح، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر. رقم (4205).

الحديث

لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، أو قال : لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أشرف الناس علىلا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اربعوا علىأنفسكم ، إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا ، وهو معكم ) . وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعني وأنا أقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فقال لي : ( يا عبد الله بن قيس ) . قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ( ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة ) . قلت : بلى يا رسول الله ، فداك أبي وأمي ، قال : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) .

واد ، فرفعوا أصواتهم بالتكبير : الله أكبر الله أكبر ، الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4205
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

وفي مرجعه ذلك سار النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، وقال لبلال‏:‏ " اكلأ لنا الليل"، فغلبت بلالاً عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ أحد، حتى ضربتهم الشمس، وأول من استيقظ بعد ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ثم صلَّى الفجر بالناس، وقيل‏:‏ إن هذه القصة في غير هذا السفر(6).‏ وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر، يبدو أن رجوع النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في أواخر صفر أو في ربيع الأول سنة 7 هـ‏.‏
راجع " الرحيق المختوم " صـ (333، 347.

بعض الدُّروسُ والعِبَرُ المُسْتَفَادَةُ من غَزْوةِ خَيْبَر:
1.الحُمُرُ الأَهلية حُرِّمت لحومُها يومَ خَيْبَر.
2.جواز المُساقاة والمُزارعة بجزءٍ مِما يخرجُ من الأرضِ من ثمرٍ أو زرعٍ، كما عاملَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أهلَ خَيْبَر على ذلك.
3.جواز عقد المهادنة عقداً جائزاً للإمام فسخه متى شاء.
4.جواز تعليق عقد الصلح والأمان بالشَّرط، كما عقدَ لهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بشرطِ أنْ لا يغيبوا ولا يكتموا.
5.جواز تقرير أرباب التُّهم بالعُقُوبة، وأنَّ ذلك من الشَّريعة العادلة، لا من السياسة الظالمة.
6.الأخذُ في الأحكامِ بالقرائن والأمارات,كما قالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لكِنانة: " المال كثير والعهد قريب ". فاستدل بهذا على كذبه في قوله: أذهبته الحروبُ والنفقةُ.
7.أنَّ أهلَ الذِّمةِ إذا خالُفوا شيئاً مما شُرط عليهم لم يبقَ لهم ذمَّةٌ، وحلَّتْ دماؤهم وأموالهُم، لأنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عقدَ لهؤلاءِ الهُدْنة، وشَرَطَ عليهم أنْ لا يُغيِّبوا ولا يكتموا، فإنْ فعلُوا حلَّتْ دماؤهم وأموالهُم، فلمَّا لم يفُوا بالشَّرط، استباحَ دماءَهم وأموالهَم، وبهذا اقتدى أميرُ المؤمنين عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- في الشُّروط التي اشترطَهَا على أهلِ الذِّمَّة، فَشَرَطَ عليهم أنَّهم متى خالَفُوا شيئاً منها، فقدْ حلَّ له منهم ما يحلُّ من أهلِ الشِّقاق والعَدَاوةِ.
8.جواز نسخ الأمرِ قبل فعله، فإنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بكسرِ القُدُورِ، ثم نسخه عنهم بالأمر بغسلها.
9.أنَّ مالا يُؤكل لحمُه لا يطهر بالذكاة لا جلدُه ولا لحمُه، وأنَّ ذبيحتَهُ بمنزلةِ موتهِ، وأنَّ الذكاة إنَّما تعملُ في مأكولِ اللحمِ.
10.أنَّ مَن أخذ مِن الغَنيمة شَيْئاً قبل قسمتِها لم يملكه، وإنْ كان دون حقِّه، وأنَّه إنَّما يملكه بالقسمة، ولهذا قال في صاحبِ الشَّملةِ التي غَلَّها: " إنَّها تشتعلُ عليه ناراً ". وقال لصاحبِ الشراك الذي غَلَّه: " شِرَاكٌ من نار ". البخاري، الفتح، كتاب الأيمان والنذور، باب هل يدخل في النذر الأرض والمغنم والزرع. رقم (6707).‏
11.أن الإمام مخير في أرض العنوة بين قسمتها وتركها، وقسم بعضها وترك بعضها.
12.جواز التفاؤل,بل استحبابه بما يراه أو يسمعه مما هو من أسباب ظهور الإسلام وإعلامه، كما تفاءل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- برُؤية المساحي والفؤوس والمكاتل مع أهل خَيْبَر، فإنَّ ذلك فألٌ في خرابها.
13.جواز جلاءِ أهلِ الذِّمَة من دارِ الإسلام إذا استُغني عنهم. راجع: " زاد المعاد " (3/ 342- 348).
14.جواز بناء الرجل بامرأته في السفر، وركوبها معه على دابة بين الجيش.
15.من قتل غيره بسُمٍّ يَقتُلُ مثلُه، قُتِل به قصاصاً؛ كما قتلت اليهودية بِشْر بن البراء.
16.جواز الأكل من ذبائح أهل الكتاب، وحل طعامهم.
17.قبولُ هديةِ الكافرِ. راجع: " زاد المعاد" (3/350- 351).
18.جواز الحِداء والأناشيد الحسنة الخالية من السُّوء والبَذاءة.
19.بيان آية النبوة في نعي عامر بن الأكوع قبل استشهاده ودخوله المعركة.
20.استحباب قول: " اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الرياح وما ذرين، ورب الشياطين وما أضللن: نسألك خير هذا البلد..." الخ.المعجم الكبير للطبراني،(22/359).
21.حرمة وطء المسبية قبل استبرائِهِا.
22.بيان فضل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وما فاز به من حُبِّ الله ورسولهِ.ِ
23.بيان صدقُ وعدِ الله - تعالى- في غنائم خَيْبَر إذ وعد المؤمنين بها، فأنجزها لهم، وله الحمد والمنة.
24.فضل صفية أم المؤمنين -رضي الله عنه-.
25.في مصالحة أهل فَدَك قبل غزوة تقرير معنى حديثِ: " نصرت بالرعب مسيرة شهر..." البخاري، الفتح، رقم(328)، كتاب التيمم، باب.
راجع هذا الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- يا محب صـ (364- 365).

للمزيد راجع:
"سبل الهدى والرشاد في سيرة خير" العباد للصالحي (5/115-174)، و"زاد المعاد" لابن قيم الجوزية (3/316-354)، و"الرحيق المختوم" للمباركفوري (408-424)، و"ابن هشام" (3/275-306)، و"عيون الأثر في سيرة خير البشر" لابن سيد الناس (2/198)، و"السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية" لمهدي رزق الله أحمد (499-512).


1 - انظر زاد المعاد 2/ 139، 140، فتح الباري 7/ 497، وأصل القصة مروية في البخاري مطولاً ومختصراً، (1/ 449، 2/ 610، 860)، وفي ابن هشام 2/ 337، 338.

2 - رحمة للعالمين 2/ 268، 269، 270.

3 - ابن هشام 2/ 337، 353.

4 - زاد المعاد 2/ 146، 147.

5 - زاد المعاد 2/ 147.

6 - ابن هشام 2/ 340، والقصة معروفة مروية في عامة كتب الحديث: وانظر زاد المعاد 2/ 147.